بعد اشتداد الأزمة الأكرانية-الروسية خلال الأسبوعين الماضيين شهد العالم موجة كبيرة من القلق والخوف، فبعد عامين من الخوف والحذر الشديد من وباء كورونا يتفاجأ الكثيرون بإنطلاق حرب بين روسيا وأكرانيا والتي قد يطول أمدها وتتطور فيما بعد لتصبح حربًا عالمية وربما حتى حربًا نووية.

في سوق المعادن

بالتزامن مع إعلان روسيا بداية الحرب على أكرانيا قفز سعر الذهب بشكل كبير حتى بلغ سعره إلى أكثر من 2000 دولار في سويعات، كون الذهب يعتبر ملاذًا أخيرًا للاستثمار وقت الازمات والحروب، ولكن سرعان ما بدأ سعره في التراجع بشكل حاد أيضا بسبب إعلان عديد الدول أن وقوفها في صف أكرانيا سيكون إنسانيا فقط وأنه لن تكون فيه اي مساعدات عسكرية، وذلك بعد أن صرح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن أي تدخل عسكري خارجي في شؤون أكرانيا سيكون الرد عليه قاسيا جدًا، وبهكذا تحذير شديد اللهجة جعل الدول تلجأ إلى العقوبات الإقتصادية والتكنولوجية…إلخ بدلا من استخدام السلاح وتجنب العواقب الوخيمة للحرب، ولكن بالرغم من كل هذا قد يحقق الذهب أرقاما قياسية كلما طالت فترة الحرب والتوتر الذي قد يتطور ويمتد إلى دول مجاورة في أوروبا.

في سوق الكريبتو

 عندما كان الذهب يحقق قفزة سعرية لحظة انطلاق التدخل العسكري، عرف سعر البتكوين تراجعًا كبير من حدود 39 الف دولار إلى حدود الــ33 الف دولار، ثم بعدها ارتد بقوة معاكسا الذهب لحظة اعلان عديد الدول عن عدم تدخلها عسكريا في شؤون اكرانيا، لان البتكوين والعملات الرقمية ككل تتوهج وتتألق في ظل السلم والاستقرار السياسي وليس في زمن الحروب والأزمات كونها أصولاً إفتراضية تشتغل على الانترنت، ويبقى هذا الإفتراض سائدًا إلى أن يثبت العكس.

في سوق السلع

عرف سعر النفط ارتفاعات قياسية حيث وصل سعر بعض الأنواع مثل صحاري بلند الجزائري والبرنت…إلخ إلى 140 دولار للبرميل، قبل أن يبدأ في التراجع شيئا فشيئا، ويستمر سعر النفط في الارتفاع للاسبوع الثالث على التوالي في ظل استمرار التوتر ومساعي دول غرب ووسط اوروبا إلى تقليل حصة النفط والغاز القادم من روسيا إلى أراضيها وتعويضها بمصادر تموين أخرى.

وكذلك عرفت أسعار الحبوب مثل القمح والذرة وعديد المحاصيل التي تنتجها أكرانيا بكثرة، إرتفاعًا كبيرا في سعرها، فبسبب الحرب -التي لا يدري العالم متى تكون نهايتها- سيكون المعروض من المحاصيل أقل من ما هو متوقع بسبب الحرب المفاجئة وما سينتج عنها من دمار.

في سوق الفوركس

 منذ بداية الحرب لا يزال سعر الروبل الروسي يعرف إنهيارات قياسية أمام أغلب العملات الأجنبية، وما زاد الطين بلة العقوبات الإقتصادية والسياسية والتكنولوجية…الخ التي وجهت لروسيا من لحظة إعلانها للحرب على أكرانيا، وبالتالي فإن الروبل من المتوقع أن يستمر في التدهور إلى حين ظهور تطورات من شأنها إنهاء الحرب ثم بعدها رفع العقوبات التي قد يطول أمدها هي الأخرى.

في سوق الأسهم

عرف سوق الاسهم تذبذبا كبيرا هو الأخر فأغلب الاسهم التابعة للمؤسسات التكنولوجية عرفت تراجعا كبيرا في اسعارها، وذلك بسبب التوتر والخوف من جهة ومن جهة أخرى بسبب العقوبات المفروضة على روسيا، فعزل روسيا عن العالم ومعاقبتها سياسيا واقتصاديا وفي شتى المجالات من دون شك سيكون له أثر طويل ومتوسط المدى على الاسهم ذات الطابع التكنولوجي على وجه الخصوص.

حملة دولية لمساعدة أكرانيا إنسانيا وماديا

منذ بداية الحرب اعلنت عديد الدول الأوروبية على وجه الخصوص انها على اتم الاستعداد لتقديم المساعدات الانسانية وكذلك استقبال اللاجئين وتوفير مأوى لهم إلى حين إنتهاء الحرب في بلادهم، وهذا ما حدث بالفعل فقد استقبلت عديد الدول الأوروبية المجاورة لأكرانيا عشرات الألاف من اللاجئين.

وفي نفس الوقت كانت هناك حملة كبيرة لمساعدة أكرانيا ماديا وتم استخدام العملات الرقمية في هاته الحملة كونها تعتبر طريقة تبرع مباشرة وسريعة وآمنة في نفس الوقت، فالعالم أجمع يعرف أن أكرانيا من بين الدول التي تقبل العملات الرقمية وتسمح بالتعامل بها وتشجع على التطوير فيها، وانطلقت هاته الحملة الواسعة على تويتر حيث نشر عدد من الشخصيات النافذة في اكرانيا عناوين لمحافظ بالإثريوم وبعض العملات الرقمية الأخرى التي سيتم جمع التبرعات فيها واستخدامها فيما بعد، وفي ظرف وجيز اقترب إجمالي التبرعات بالعملات الرقمية من حدود الــ100 مليون دولار أمريكي.

روسيا قد تلجأ للعملات الرقمية للتهرب من العقوبات الإقتصادية المفروضة عليها

سيتم حظر عدد البنوك والمؤسسات المالية الروسية من إستخدام نظام الـSWIFT إبتداءًا من تاريخ 12 مارس 2022 وعليه سيصبح النظام البنكي الروسي على الأغلب معزولا عن العالم الخارجي، وكذلك قيام مزودي البطاقات الإلكترونية مثل Visa وMastercard بإيقاف خدماتهم في روسيا حتى أصبحت الطوابير تملأ الشوارع والمئات من الناس يتجمعون أمام البنوك الروسية لسحب أموالهم.

وبينما تستخدم أكرانيا العملات الرقمية لجمع التبرعات والاستفادة من الأموال التي سيتم جمعها، قد تستخدم روسيا نفس الطريقة ولكن للتهرب من العقوبات الإقتصادية المفروضة عليها، فالعملات الرقمية تغطي تقريبا شتى المجالات كالدفع والتسوق وتصلح للإستخدام في شتى الميادين، وعليه فإن الضغط الذي تعتزم دول أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية فرضه على روسيا قد لا يؤتي ثماره في ظل وجود العملات الرقمية وتقنية البلوكشاين.

موجة الـPrivacy coins  قد تنطلق في أي لحظة

إذا كانت روسيا تخطط فعلا للتهرب من العقوبات الإقتصادية والتكنولوجية المفروضة عليها بإستخدام العملات الرقمية، فهي بالتأكيد ستستخدم عملات الــPrivacy coins مثل عملة الــMonero وما شابهها، لأن استخدام العملات الأخرى قد يزيد الطين بلة ويؤدي إلى تضييق كبير على العملات الرقمية، وقد ينجم عن استخدام العملات الرقمية القابلة للتتبع إلى إصدار قوانين تمنع استخدام العملات الرقمية في دول معينة وهذا الأمر ليس في صالح روسيا من جهة وليس في صالح العملات الرقمية وجماهيرها من جهة أخرى.

ولكن ما يزيد إحتمال استخدام روسيا لعملات التخفي والــPrivacy coins هو استعدادها للتحول نحو الأنترنت السيادي المسمى Runet وهو شبكة محلية خاصة بروسيا، فإذا تم قطع الانترنت الدولي في روسيا لن تفقد روسيا إمكانية الاتصال داخل البلد بفضل الشبكة المحلية الخاصة بها، وفي نفس الصدد تملك روسيا أنظمة تشغيل متطورة خاصة بها تنافس نظم التشغيل المعروفة في قوتها وعليه فإن استخدام العملات الرقمية سيظل متاح ومتوفر للروس في أحلك الظروف.

وعليه فإن عملات الـــPrivacy coins ستكون المستفيد الوحيد من حصول أمر مماثل، فأغلب عملات التخفي غير قابلة للتتبع ويمكن بإستخدامها إخراج وإدخال الأموال من وإلى روسيا من دون أي مشاكل.

لحظة سقوط الأقنعة…

روسيا أظهرت للعالم العربي وللشعوب كافة حجم النفاق والعنصرية الذي يخفيه العالم الغربي تحت غطاء الحرية والتحضر والديمقراطية، فالمساعدات التي تلقتها أكرانيا إنسانيا وماديا ومعنويا وإعلاميا في اسبوع واحد لم تتلقاه أي دولة عربية أو إفريقية عانت من ويلات التدخلات العسكرية التي شاركت فيها دول حلف الأطلسي، ولعل أبرزها القضية الفلسطينية والحرب التي لا تزال قائمة لأزيد 70 عامًا والتي أدت إلى قتل عشرات الألاف من الأطفال وتشرد عشرات الألاف من العائلات، وكذلك لا ننسى ما حل بأرض العراق وسوريا وليبيا…الخ.

في الأخير نتمنى أن تنتهي هاته الحرب في اسرع وقت لأنه لا شيء يضاهي نعمة السلم والآمان، فالحرب تظل حربًا حتى ولو كنا بعيدين عنها.